سيرة ألم

كتبتها: منى العبدلي

ثمة حزن لا يفارقك تصيبك به لعنة قراءة رواية ما , ورغم أني لست ممن يقرأون الروايات إلا فيما ندر وبعد أن اتأكد بأني سأجد وجبة غنية ومادة دسمة تجعلني أتجاوز راضية عن الوقت الذي قضيته في قراءتها .

بعض الروايات تبقى معك حتى بعد أن تطبق على غلافها الأخير , وحتى بعد أن ترسلها إلى مكانها الدائم على أحد أرفف مكتبتك , ولا أنكر بأنني كنت مترددة قليلا للبدء في قراءة هذا العمل الذي وصلني من البريد بعد طول انتظار وكنت على وشك تأجيل هذا الواجب وركن الرواية على رف قريب لولا لون غلافها الذي اجتذبني وشعور داخلي يقول بأن فيها ما يغري بقراءة , وبعد صخب يوم كامل ومع كوب من الشاي بدأت في قراءتها بهدوء لا يمزقه سوى صوت تقليب الصفحات , ثلاث ساعات مرت دون أن اشعر بها وهذا ليس لأن الرواية كبيرة لكني تأنيت في قراءتها لما وجدت من جمال لغوي وأسلوب رفيع في صياغة الألم والامل , وكانت كافية للسخط على كل قانون وضعي وعلى كل الحدود السياسية وغير السياسية والأعراق والجنسيات التي اجبرت العربي على أن يكون غريبا في وطنه وأرضه .ثمة حزن لا ينفك وأسى يتطاول كما الظل لا يبعد عنك وغصة تخنقك مع كل سؤال ممزوج بالإحباط تواجهه في ثنايا الرواية دون أن تجد جوابا شافيا.

الرواية وقد اسميتها كذلك مجازا تماشيا مع تصنيفها الذي خرجت به للدنيا إلا أنها ليست رواية بل هي سيرة مترعة بالألم . سيرة لاجئ فلسطيني يمثل عشرات بل مئات اللاجئين الموزعين في هذا العالم غير العادل , سيرة عذاب وإنهاك مادي ومعنوي , وهي أيضا استقراء لوضع عربي مأساوي يزداد غرقا في مصائبه التي لا تنتهي ويحيل إنسانه إلى هوية بأرقام فقط دون أدنى اعتبار لإنسانيته وانتمائه , وهي أيضا استشراف من مرتفع وإطلالة من زاوية نظر دقيقة على ما نحن فيه في تعاملنا مع ابناء جلدتنا والذين فرضت عليهم الظروف والتهجير أن يغادرو أرضهم قسرا . إن رواية الجنسية لمعتز قطينة وهي تعالج وضعا نعرفه جيدا كما نعرف اسمائنا وندركه بشعورنا ونتعايش معه في كل يوم من أيام دنيانا إلا أننا لا نشارك في تخفيف مقدار المه ووحشيته بل نساهم بلا وعي في قتل كل أمل يمكن أن يساعد أو يخفف من قسوته ,الجنسية رواية مذهلة وعمل فاخر مليئ بالشجن في وصف حالة واحدة تمثل حالة كل عربي ولاجئ عن ارضه تغرب رغما عنه وذاق ويلات الترحيل والتهجير , من أراد أن يقرأ رواية ذات لغة انيقة فعليه بالجنسية لمعتز قطينة.

25-8-2010

(Visited 83 times, 1 visits today)

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *